فصل: تفسير الآية رقم (62):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (62):

{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62)}
{ذلكم} المتصف بالصفات المذكورة المقتضية للألوهية والربوبية {الله رَبُّكُمْ خالق كُلّ شَيْء لاَّ إله إِلاَّ هُوَ} أخبار مترادفة تخصص اللاحقة السابقة وتقلل اشتراكها في المفهوم نظرًا إلى أصل الوضع وتقررها، وجوز في بعضها الوصفية والبدلية، وأخر {خالق كُلّ شَيْء} عن {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} [الأنعام: 102] في آية سورة الأنعام، وقدم هنا لما أن المقصود هاهنا على ما قيل الرد على منكري البعث فناسب تقديم ما يدل عليه، وهو أنه منه سبحانه وتعالى مبدأ كل شيء فكذا إعادته.
وقرأ زيد بن علي {خالق} بالنصب على الاختصاص أي أعني أو أخص خالق كل شيء فيكون {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} استئنافًا مما هو كالنتيجة للأوصاف المذكورة فكأنه قيل: الله تعالى متصف بما ذكر من الصفات ولا إله إلا من اتصف بها فلا إله إلا هو {فأنى تُؤْفَكُونَ} فكيف ومن أي جهة تصرفون من عبادته سبحانه إلى عبادة غيره عز وجل. وقرأ طلحة في رواية {يُؤْفَكُونَ} بياء الغيبة.

.تفسير الآية رقم (63):

{كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63)}
{كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الذين كَانُواْ بئايات الله يَجْحَدُونَ} أي مثل ذلك الإفك العجيب الذي لا وجه له ولا مصحح أصلًا يؤفك كل من جحد بآياته تعالى أي آية كانت لا إفكًا آخر له وجه ومصحح في الجملة.

.تفسير الآية رقم (64):

{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)}
{الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض قَرَارًا} أي مستقرًا {والسماء} أي قبة ومنه أبنية العرب لقبابهم التي تضرب وإطلاق ذلك على السماء على سبيل التشبيه، وهو تشبيه بليغ وفيه إشارة لكريتها. وهذا بيانل فضله تعالى المتعلق بالمكان بعد بيان فضله المتعلق بالزمان، وقوله سبحانه: {بالحق وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} بيان لفضله تعالى المتعلق بأنفسهم، والفاء في {فَأَحْسَنَ} تفسيرية فالمراد صوركم أحسن تصوير حيث خلق كلًا منكم منتصب القامة بادي البشرة متناسب الأعضاء والتخطيطات متهيأ لمزاولة الصنائع واكتساب الكمالات. وقرأ الأعمش. وأبو رزين {صُوَرَكُمْ} بكسر الصاد فرارًا من الضمة قبل الواو، وجمع فعلة بضم الفاء على فعل بكسرها شاذ ومنه قوة وقوى بكسر القاف في الجمع. وقرأ فرقة {صُوَرَكُمْ} بضم الصاد وإسكان الواو على نحو بسرة وبسر {وَرَزَقَكُم مّنَ الطيبات} أي المستلذات طعمًا ولباسًا وغيرهما وقيل الحلال {ذلكم} الذي نعت بما ذكر من النعوت الجليلة {الله رَبُّكُمُ} خبران لذلكم {فَتَبَارَكَ الله} تعالى بذاته {رَبّ العالمين} أي مالكهم ومربيهم والكل تحت ملكوته مفتقر إليه تعالى في ذاته ووجوده وسائر أحواله جميعها بحيث لو انقطع فيضه جل شأنه عنه آنا لعدم بالكلية.

.تفسير الآية رقم (65):

{هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)}
{هُوَ الحى} المنفرد بالحياة الذاتية الحقيقية {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} إذ لا موجود يدانيه في ذاته وصفاته وأفعاله عز وجل: {فادعوه} فاعبدوه خاصة لاختصاص ما يوجب ذلك به تعالى.
وتفسير الدعاء بالعبادة هو الذي يقتضيه قوله تعالى: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} أي الطاعة من الشرك الخفي والجلي وأنه الأليق بالترتب على ما ذكر من أوصاف الربوبية والألوهية، وإنما ذكرت بعنوان الدعاء لأن اللائق هو العبادة على وجه التضرع والانكسار والخضوع {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين} أي قائلين ذلك.
أخرج ابن جرير. وابن المنذر. والحاكم وصححه. والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: من قال لا إله إلا الله فليقل على أثرها الحمد لله رب العالمين وذلك قوله تعالى: {فادعوه مُخْلِصِينَ} إلخ. وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير نحو ذلك، وعلى هذا {يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} إلخ من كلام المأمورين بالعبادة قبله، وجوز كونه من كلام الله تعالى على أنه إنشاء حمد ذاته سبحانه بذاته جل شأنه.

.تفسير الآية رقم (66):

{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66)}
{قُلْ إِنّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَمَّا جَاءنِى البينات مِن رَّبّى} من الحجج والآيات أو من الآيات لكونها مؤيدة لأدلة العقل منبهة عليها فإن الآيات التنزيلية مفسرات للآيات التكوينية الآفاقية والأنفسية {وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبّ العالمين} أي بأن انقاد له تعالى وأخلص له عز وجل ديني.

.تفسير الآية رقم (67):

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67)}
{هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ} في ضمن خلق آدم عليه السلام منه حسا مر تحقيقه {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} أي ثم خلقكم خلقًا تفصيليًا من نطفة أي من منى {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} قطعة دم جامد {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} أي أي أطفالًا وهو اسم جنس صادق على القليل والكثير.
وفي «المصباح»، قال ابن الأنباري: يكون الطفل بلفظ واحد للمذكر والمؤنث والجمع ويجوز فيه المطابقة أيضًا؛ وقيل: إنه أفرد بتأويل خلق كل فرد من هذا النوع ثم يخرج كل فرد منه طفلًا {ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ} لللام فيه متعلقة حذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا وذلك المحذوف عطف على {يُخْرِجُكُمْ} وجوز أن يكون {لِتَبْلُغُواْ} عطفًا على علة مقدرة ليخرجكم كأنه قيل: ثم يخرجكم لتكبروا شيئًا فشيئًا ثم لتبلغوا أشدكم وكمالكم في القوة والعقل، وكذا الكلام في قوله تعالى: {ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخًا} ويجوز عطفه على {لِتَبْلُغُواْ}.
وقرأ ابن كثير. وابن ذكوان. وأبو بكر. وحمزة. والكسائي {شُيُوخًا} بكسر الشين. وقرئ {شَيْخًا} كقوله تعالى: {طِفْلًا} {وَمِنكُمْ مَّن يتوفى مِن قَبْلُ} أي من قبل الشيخوخة بعد بلوغ الأشد أو قبله أيضًا {وَلِتَبْلُغُواْ} متعلق بفعل مقدر بعده أي ولتبلغوا {أَجَلًا مُّسَمًّى} هو يوم القيامة بفعل ذلك الخلق من تراب وما بعده من الأطوار، وهو عطف على {خَلَقَكُمْ} والمراد من يوم القيامة ما فيه من الجزاء فإن الخلق ما خلقوا إلا ليعبدوا ثم يبلغوا الجزاء، وتفسير الأجل المسمى بذلك مروى عن الحسن، وقال بعض: هو يوم الموت. وتعقب بأن وقت الموت فهم من ذكر التوفي قبله فالأولى تفسيره بما تقدم، وظاهر صنيع الزمخشري ترجيح هذا على ما بين في الكشف {وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ولكي تعقلوا ما في ذلك التنقل في الأطوار من فنون الحكم والعبر.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنه قال: أي ولعلكم تعقلون عن ربكم أنه يحييكم كما أماتكم.

.تفسير الآية رقم (68):

{هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68)}
{هُوَ الذي يحيى} الأموات {وَيُمِيتُ} الأحياء أو الذي يفعل الإحياء والإماتة {فَإِذَا قضى أَمْرًا} أراد بروز أمر من الأمور إلى الوجود الخارجي {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} من غير توقف على شيء من الأشياء أصلًا.
وهذا عند الخلف تمثيل لتأثير قدرته تعالى في المقدورات عند تعلق إرادته سبحانه بها وتصوير لسرعة ترتب المكونات على تكوينه من غير أن يكون هناك آمر ومأمور وقد تقدم الكلام في ذلك، والفاء الأولى للدلالة على أن ما بعدها من نتائج ما قبلها من حيث أنه يقتضي قدرة ذاتية غير متوقفة على العدد والمواد، وجوز فيها كونها تفصيلية وتعليلية أيضًا فتدبر.

.تفسير الآية رقم (69):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69)}
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يجادلون فِي ءايات الله أنى يُصْرَفُونَ} تعجيب من أحوالهم الشنيعة وآرائهم الركيكة وتمهيد لما يعقبه من بيان تكذيبهم بكل القرآن وبسائر الكتب والشرائع وترتيب الوعيد على ذلك، كما أن ما سبق من قوله تعالى: {إِنَّ الذين يجادلون} [غافر: 56] إلخ بيان لابتناء جدالهم على مبنى فاسد لا يكاد يدخل تحت الوجود فلا تكرير فيه كذا في إرشاد العقل السليم.
وقال القاضي: تكرير ذكر المجادلة لتعدد المجادل بأن يكون هناك قومًا وهنا قومًا آخرين أو المجادل فيه بأن يحمل في كل على معنى مناسب ففيما مر في البعث وهنا في التوحيد أو هو للتأكيد اهتمامًا بشأن ذلك. واختار ما في الإرشاد، أي انظر إلى هؤلاء المكابرين المجادلين في آياته تعالى الواضحة الموجبة للإيمان بها الزاجرة عن الجدال فيها كيف يصرفون عنها مع تعاضد الدواعي إلى الإقبال عليها وانتفاء الصوارف عنها بالكلية.
[يم الله تعالى:

.تفسير الآية رقم (70):

{الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70)}
{الذين كَذَّبُواْ بالكتاب} أي بكل القرآن أو بجنس الكتب السماوية فإن تكذيبه تكذيب لها في محل الجر على أنه بدل من الموصول الأول أو بيان أو صفة له أو في محل النصب على الذم أو في محل الرفع على أنه خبر محذوف أو مبتدأ خبره {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} وإنما وصل الموصول الثاني بالتكذيب دون المجادلة لأن المعتاد وقوع المجادلة في بعض المواد لا في الكل. وصيغة الماضي للدلالة على التحقيق كما أن صيغة المضارع في الصلة الأولى للدلالة على تجدد المجادلة وتكررها {وَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا} من سائر الكتب على الوجه الأول في تفسير الكتاب أو مطلق الوحى والشرائع على الوجه الثاني فيه.
{فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} كنه ما فعلوا من الجدال والتكذيب عند مشاهدتهم لعقوباته.

.تفسير الآية رقم (71):

{إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71)}
بلفظ المضي للدلالة على تحققه حتى كأنه ماض حقيقة فلا تنافر بين سوف وإذ {والسلاسل} عطف على {الاغلال} والجار والمجرور في نية التأخير كأنه قيل: إذ الأغلال والسلاسل في أعناقهم، وقوله تعالى: {يُسْحَبُونَ} أي يجرون.

.تفسير الآية رقم (72):

{فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)}
{فِى الحميم} حال من ضمير {يَعْلَمُونَ} أو ضمير {فِى أعناقهم} أو جملة مستأنفة لبيان حالهم بعد ذلك، وجوز كون {السلاسل} مبتدأ وجملة {والسلاسل يُسْحَبُونَ} خبره والعائد محذوف أي يسحبون بها.
وجوز كون {الاغلال} مبتدأ {والسلاسل} عطف عليه والجملة خبر المبتدأ و{فِى أعناقهم} في موضع الحال، ولا يخفى حاله، وقرأ ابن مسعود. وابن عباس. وزيد بن علي. وابن وثاب {والسلاسل يُسْحَبُونَ} بنصب السلاسل وبناء يسحبون للفاعل فيكون السلاسل مفعولًا مقدمًا ليسحبون، والجملة معطوفة على ما قبلها، ولا بأس بالتفاوت اسمية وفعلية.
وقرأت فرقة منهم ابن عباس في رواية {والسلاسل} بالجر، وخرج ذلك الزجاج على الجر بخافض محذوف كما في قوله:
أشارت كليب بالأكف الأصابع

أي وبالسلاسل كما قرئ به أو في السلاسل كما في مصحف أبي، والفراء على العطف بحسب المعنى إذ الأغلال في أعناقهم عنى أعناقهم في الأغلال، ونظيره قوله:
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ** ولا ناعب إلا ببين غرابها

ويسمى في غير القرآن عطف التوهم، وذهب إلى هذا التخريج الزمخشري. وابن عطية، وابن الأنباري بعد أن ضعف تخريج الزجاج خرج القراءة على ما قال الفراء قال: وهذا كما تقول: خاصم عبد الله زيدًا العاقلين بنصب العاقلين ورفعه لأن أحدهما إذا خاصم صاحبه فقد خاصم الآخر، وهذه المسألة لا تجوز عند البصريين ونقل جوازها عن محمد بن سعدان الكوفي قال: لأن كل واحد منهما فاعل مفعول {ثُمَّ فِي النار يُسْجَرُونَ} يحرقون ظاهرًا وباطنًا من سجر التنور إذا ملأه إيقادًا ويكون عنى ملأه بالحطب ليحميه، ومنه السجير للصديق الخليل كأنه سجر بالحب أي ملئ، ويفهم من القاموس أن السجر من الأضداد، وكلا الاشتقاقين مناسب في السجير أي ملئ من حبك أو فرغ من غيرك إليك والأول أظهر.
والمراد بهذا وما قبله أنهم معذبون بأنواع العذاب سحبهم على وجوههم في النار الموقدة ثم تسليط النار على باطنهم وأنهم يعذبون ظاهرًا وباطنًا فلا استدراك في ذكر هذا بعد ما تقدم.